أي عبادة يعملها المرء لله، لها جانبٌ ظاهر، ولها ركنٌ باطن، إذا أدَّاها الإنسان على أكمل ما يكون ظاهراً ولم يحضر فيها قلبه وانشغل عن الله يكون أداؤها باطلاً، تكون هذه العبادة غير مقبولة، ولا ترتفع إلى الله، لأنه لم يحضر فيها القلب مع الجسم عند أدائها لله.
ننظر مثلاً إلى الصلاة؛ مدح الله قوماً في كتاب الله ومن المفلحين في أداء الصلاة، فما هي الصلاة التي ينالون بها الفلاح والنجاح عند الله؟
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2} (المؤمنون)
شرط الفلاح والنجاح في الصلاة أن يؤديها الإنسان بخشوع القلب، أن يكون حاضراً في تسبيحاته وتكبيراته وتلاوة آيات كتاب الله وهو يناجى الله في الصلاة، إذا تُليت عليه الآيات من الإمام أو تلاها هو بلسانه ترتجف أعضاؤه ويهتز كيانه، وتحدث له رعدة وخشية لأنه يتلوا كلام الله في مناجاة الله جلَّ في عُلاه.
إذا صلى المرء ظاهراً وأتمَّ الركوع وأتَّم السجود وأطال فيهما بحسب ما نراه، لكن قلبه مليء بمشاغل كونية أو أحداثٍ دنيوية تواترت عليه وهو في الصلاة، فإن هذا صلاته غير مقبولة. وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلى بهذه الكيفية، فلما انتهى ناداه وقال صلى الله عليه وسلم له:
{ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ}ـ فقام مرةً ثانية وأطال الصلاة في حركاتها الظاهرة وركوعها وسجودها، وبعد أن انتهى منها ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له:
{ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ} ـ والمرة الثالثة كذلك، وبعدها قال: يا رسول الله علمني فإني لا أحسن غير هذا.
فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الهيئة التي ينبغي أن يكون فيها مقبلاً على حضرة الله لكي تكون الصلاة كاملة وتنال رضاء الله؛ أن يكون الجسم في سكون وأن يكون الجسم يؤدى الحركات والسكنات من الركوع والسجود والجلوس والوقوف كما أدَّاهما حضرة النبي لأنه قال لنا:
{صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي}{1}
وكما طهَّر الجسم بالماء لابد وأن يطهر القلب من كل ما يشغله عن الله ويستحضر الخشية من الله والخشوع مع الله، ويحاول أن يستحضر حاله مع الله فَيُكَلِّمُ الله كأنه في حالة المناجاة، وقد قال الله ليُبين لنا هذا الحال في الحديث القدسي:
{قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ: مَرَّةً فَوَّضَ إلى عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ}{2}
ولذلك نقول لمن يعترض على المسلمين عندما يقرءون الفاتحة لقضاء حاجة أو لتيسير مصلحة، لم تعترض؟ أما سمعت قول الله في الحديث القدسي أن العبد عندما يقرأ الفاتحة يقول الله تعالى:
{هذا لعبدي ولعبدي ما سأل}، أي إذا قرأ الفاتحة لأي أمر يقضيه الله، وييسِّره له الله، ويسرع الله في قضاء هذه الحاجات، لأنه وعد بذلك في هذا الحديث القدسي الذي استمعنا إليه أجمعين
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم عن العبد الذي يقرأ الفاتحة ولا يدرى ماذا قرأ؟ أقرأ الفاتحة أم التشهد؟ هل قرأ التشهد أم الفاتحة؟ يقول صلى الله عليه وسلم في العبد الذي التفت عن الله في الصلاة:
{إِذَا قَامَ الرَّجُلُ فِي صَلاتِهِ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ ، فَإِذَا الْتَفَتَ قَالَ : يَا ابْنَ آدَمَ إِلَى مَنْ تَلْتَفِتُ؟ إِلَى مَنْ هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنِّي؟ أَقْبِلْ إلى، فَإِذَا الْتَفَتَ الثَّانِيَةَ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا الْتَفَتَ الثَّالِثَةَ صَرَفَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجْهَهُ عَنْهُ}{3}
{1} البخاري في الصحيح من حديث مالك بن حويرث رضي الله عنه
{2} مسلم وأصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة رضي الله عنه
{3} البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه
www.fawzyabuzeid.com/%D9%83%D8%AA%D8%A8
منقول من كتاب {مجالس تزكية النفوس} لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً