عبر عدد كبير من صغار المقاولين عن تخوفهم من الوضع الراهن الذي يعيشه قطاع المقاولات منذ شهور أزمة خانقة ، بعد إحجام البنوك السعودية عن تقديم تسهيلات ضمانات المشاريع الحكومية لصغار المقاولين، الأمر الذي ينذر بمزيد من التدهور لمؤسساتهم وشركاتهم.وشهدت الفترة الماضية سحب عدد كبير من المشاريع من مقاولين معظمهم من الصغار تخلت عنهم البنوك، بعد أن كانت تغطي ضمانات مشاريعهم بنسب متفاوتة تصل إلى ١٠٠% ، وأخذت تشترط في الفترة الأخيرة أن يغطي المقاول الضمان كاملاً لإصدار خطاب الضمان.ونتيجة لعجز المقاولين عن تغطية الضمانات ، بسبب شح السيولة ، وانعدام مصادر التمويل ، تعرض كثير منهم لغرامات مالية بعد سحب المشاريع التي تم ترسيتها عليهم لعدم قدرتهم على استصدار خطابات الضمان من البنوك ، والتي تستلزم قيام المقاول بإيداع مبلغا يعادل ٥% من قيمة المشروع ، ويستمر حجزه لدى البنك حتى ينتهي المشروع ، ولا يفرج عنه إلا بخطاب من الجهة صاحبة المشروع يفيد باستلامه من المقاول .وقطاع المقاولات الذي ما لبث أن تعافى من ارتفاع أسعار المواد الذي ضربه في بداية 2007 ، حتى وقع في مأزق "تصفية" المقاولين الصغار من قبل البنوك ، وفق خطط لم تعد تتحرج البنوك من الإعلان عنها ، حيث أصبحت توجه رعايتها وتسهيلاتها ، وبرامجها الخدمية ، وبتركيز شديد إلى كبار عملائها ، وتتخلص من عملاءها الصغار .وأسهمت هذه الإستراتيجية الجديدة للبنوك في خلق مناخ سلبي جداً ، سيكون له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الوطني ، على المدى البعيد ، لعل من أبرزها :*تضييق الفرص المتاحة للمقاول الصغير والمتوسط ، مما يجعلها – أي الفرص- متاحة وبشكل حصري لكبار المقاولين فقط .*انحصار التنافس بين عدد محدود جداً من كبار المقاولين ، ليمارسوا الانتقاء في المشاريع ، ويرفعوا الأسعار بشكل مبالغ فيه ، لأن التنافس معدوم .*أسهم الوضع الحالي في تكدس المقاولين الصغار والمتوسطين في مشاريع محدودة جداً تناسب إمكاناتهم ، وهذا جعلهم يضربون بعضهم البعض في الأسعار ، من أجل أن يجدوا عملاً .خلاف هذا أسهمت بعض الجهات الحكومية في رفع أسعار المشاريع بشكل مبالغ فيه لايمثّل قيمتها الحقيقية ، فالجهات الموكلة بالترسية تقوم باستبعاد الأسعار المنخفضة عن تقديراتها ، رغم أن تلك التقديرات مبالغ فيها، وكأنها تعمل لصالح كبار المقاولين ، وتهدف إلى القضاء على صغارهم .ومن خلال استقراء الوضع الراهن والربط بين الأحداث، فإن البنوك تعمل وفق منهج مدروس، ربما لا يستهدف صغار المقاولين ، بقدر ما أن الظروف الاقتصادية العامة جعلتهم الحلقة الأضعف ، وحُمّلوا تبعات أوضاع اقتصادية عالمية، انعكست بشكل مؤثر على الاقتصاد المحلي ، رغم أن المسؤولين في وزارة المالية ومؤسسة النقد يؤكدون حصانة اقتصادنا الوطني ضد التبعات المحتملة للأزمة المالية العالمية ، التي تعصف بالعالم ، لكن الواقع يقول شيئاً آخر .